ذلك البعيدُ… صَوْتي
كُلّما فتحتُ كتابًا، همهمْتُ مع نفسي بصوتٍ غير مفهوم.
أنا مريض اللُّغة.
تصوّروا أن خطأ إملائيًّا يمكن أن يورّثني الكآبةَ ساعاتٍ،
وقد أُصاب بالاختناق إذا وجدت النّصّ عاريًا من الشّكْل،
وغياب فاصلة القطع من النّصّ يُفْقدني التّوازن إذ أقف،
ونقط الحذف تتهيّأ لي شبيهةً بحاوياتٍ مُنْتنةٍ في قارعة الطّريق.
أُحبُّ من اللُّغة اللّثغاتِ في أدب الأطفال،
والجُمَلَ القصيرة َالمطرّزة في نصٍّ حكائيٍّ،
والتّكرار الذي يعبر القصيدة لأنّه يعطي للفراغ شكل عافية،
والهَمْهمات التي تندُّ عن حوارٍ بين الشّخص ونفسه،
فهي -الحقّ أقوله- مأوى الكينونة الضّائعة.
وحركات الشَّدّة التي مثل تُوَيْجات بليلة تئنُّ وسط دغل،
أحبُّ أن تأخذني من يدي في نزهة
لأتفرّج على الأحراش والشِّعاب التي تنفث بخار الفجر.
لا أحبُّ الزّوائد والمساحيق والبثور التي على وجه الصّفْحة
فليس هناك أقبح من سحب برّاقة على نهر ميّت!
والحشو الذي بلا معنى لا أحبُّه،
والمعنى نفسه.
أكره فيّ القارئَ الوحيدَ
الذي يقيس أرض المفاجآت بالآحاد،
ويقول: « هذا لي.. وهذا لك ».
مثل هذا القارئ يصيب الكلمات بمغص شديد
ويصيب نداءها البعيد بأعراض القولون العصبيّ.
أنا لا أقرأ وحسب؛
أنا أقرأ وأطير في آن،
فيتراءى لي الآتي الذي ضاع منّي،
فأتعلّق بالحبال.
كلمةً في إثر كلمة،
أستعيد صوتي بالتّقسيط،
قبل أن أصل إلى الشّاهدة
وهي في عينيَّ ترعى
من ذاكرة الحشائش،
ولا تثقُ بِالرّماد.

لا تعليق