عبداللطيف الوراري يسائل شعر اللحظة الراهنة من المغرب إلى المشرق
الكتاب استقراء نقدي وثقافي مغربي – مشرقي يمسُّ في الصميم أوضاع الشعر العربي المعاصر وما يشهده من إشكالات.

صحيفة (العرب)، الجمعة 2025/08/15

الرباط- كتاب الشاعر والناقد المغربي عبداللطيف الوراري «شعر اللحظة الراهنة: أسئلة ورهانات»، هو في الأصل استقراء نقدي وثقافي مغربي – مشرقي يمسُّ في الصميم أوضاع الشعر العربي المعاصر وما يشهده من إشكالات وقضايا على صعيدي الشكل والمضمون، أو من إبدالات فكرية وجمالية متراصّة لا يصحُّ تناولها بمعزل عن الوضع الراهن بتحوّلاته وانفجاراته وهجراته وإحباطاته وموجات الخوف واليأس والشك والعدمية التي صار يشيعها في نفوس المعاصرين.وتأتي أهمية هذا الكتاب النقدي الحواري في أنه يخوض تلك الإشكالات والقضايا من زوايا ووجهات نظر مختلفة ومتعددة، وفي سياق مخصوص تتعالى فيه نبرة دعاوى القائلين بأنّ الشعر خفت صوته وانحسر دوره في التعبير عن حركة المجتمع وحاجياته النفسية والمادية، أو أنّه يمرّ بأزمة حقيقية تهدد وجوده، بل قد يمثل – كما يزعم بعض الناس – ارتدادًا عمّا تحقّق للقصيدة العربية في عصرها الذهبي الحديث.ويرى الكثير من المتابعين أن الشعر يقف اليوم في مواجهة حتمية مع تحولات المعنى وتبدلات الذائقة في وقت تتسارع فيه خطى الأحداث، وتتصاعد فيه أصوات اللحظة ووقائعها وتغيراتها لتطغى على التأمل.وفي الوقت الراهن ثمة حقيقة لا يمكن إنكارها تتجسد في تسطيح يُفقد النص الشعري بُعده الإنساني الرمزي، وتبقى القصيدة المعاصرة في صراع شبه معلن بين الرمز والتقرير والعمق والتسطيح، وبين الجمال الحقيقي والتأثير اللحظي.

 ولا يغفل الوراري هذه التصورات في مقاربته لواقع الشعرية العربية اليوم دون أن يعزلها عن البيئة التي تنمو فيها والسياق الثقافي والاجتماعي والتاريخي الذي يحتضنها، وهو ما يبدو تأثيره جليا في ما يكتب من شعر اليوم.وجاء على غلاف الكتاب أنه «في عام 1968، أصدر الناقد المصري غالي شكري كتابه ذائع الصيت ‘شعرنا الحديث.. إلى أين؟‘، وقد قامت أطروحته الأساسية على اعتبار أنّ الحداثة ليست واحدة على صعد المفهوم والمرحلة التاريخية ومنازل الريادة، وأنّها تمسُّ الرؤية الشعرية للعالم. بعد نصف قرن ونيف، جرت مياهٌ كثيرةٌ تحت جسر الشعر العربي، والحداثة الشعرية لم تعد حكرًا على المراكز بل همّت الأطراف أكثر فأكثر.”

ويُبيّن الوراري: “نعود اليوم لنطرح السؤال مُجدّدًا، داخل ‘إبستيمي‘ العصر الذي نحياه ونتأثر به، وضمن رهانات وآفاق مختلفة؛ ليس بحثًا عن أجوبة جاهزة ومُتلهّفة، ولكن لتجسير مسافة بيننا وبين ما يحدث في الشعر العربي باعتباره سؤالًا في حدّ ذاته، وخطابًا جماليًّا وثقافيًّا ما يزال يشفُّ عن منحنيات الروح في تقلّباتها ومواجعها الداخلية.”
نُقّاد ودارسون أكاديميون وشعراء مُتحدّرون من أعمار ورؤى وحساسيّات متنوعة، ومن ثقافات محلية داخل الشعر – الوطن المتخيل الكبير، تَوجّه إليهم الناقد بالسؤال: شعر اللحظة الراهنة.. إلى أين؟
من إشكالية الـ«نحن» المتفجرة باستمرار، إلى التباس «المعاصر» بما تلمع إليه الصفة ولا تؤديه المعرفة إلا بقدر ما تُحدثه فيه من التباس آخر. إنّهُ سؤالٌ مُركّبٌ وإشكاليٌّ، لكن طرحه اليوم ليس ترفًا، بل ضرورة يمليها واجب المعرفة ونداء المسؤولية في آن.
النقاد يعتبرون أن نثرية الشعر وغياب الحدود بين الشعر وأشكال الكتابة الأخرى خلقا حالة كبيرة من فوضى الكتابة الشعرية، أضافت إلى أزمة تلقي الشعر أزمات أخرى نالت من رصيده على مستوى القراءة. هذه الأزمة ليست عربية بل هي جزء من أزمة الشعر في العالم. كل هذا جعل التنظير النقدي للشعر يتراجع لاسيما مع صعود الرواية إلى صدارة المشهد الثقافي في العالم.
وهذا ما لا يغفل عنه الوراري دون أن يركز بشكل أساسي على الشكل الشعري وتأثيره أو إسهامه في ما وصل إليه الشعر، بقدر ما يسعى إلى استجلاء حركة الشعر العربي المعاصر واتجاهاتها، دون انتصار لشكل أو مسار على حساب آخر. وهذا ما يمنح رؤية أوسع لتوجهات الشعراء المعاصرين والقصيدة المعاصرة، لاستشراف مستقبل الشعر وتغيراته.
وجدير بالذكر أن كتاب «شعر اللحظة الراهنة: أسئلة ورهانات»، صدر مؤخرا عن عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع بالأردن، إربد 2025، وفيه يواصل عبداللطيف الوراري مشروعه النقدي في قراءة واقع الشعر العربي من زوايا غير مطروقة وبجرأة ووعي ميزا قلمه النقدي علاوة على قلمه شاعرا مجددا وتجربة مؤثرة في الشعر المغربي والعربي المعاصر.

عبد اللطيف الوراريAuthor posts

Avatar for عبد اللطيف الوراري

هذا موقع شخصي للشاعر والناقد المغربي عبد اللطيف الواري، يتيح للقارئ العربي التعرّفَ على ملامح تجربته في الكتابة شعرًا ونقدًا، وما يسبطه من آراء متنوعة ومختلفة في قضايا أدبية ونقدية برؤية منهجية ولغة تمزج بين العمق والوضوح.

لا تعليق

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *