سرقة النّار

مساكين هم الشُّعراء؛
ما إن يسمعوا بحريقٍ
في أقصى المدينة،
حتى يُهَرْولوا شبيهين بإطفائيّين نبلاء.
ينطفئ الحريق،
وهم لم يصلوا بعد.
منذ ساروا،
أطلقوا ألسنة خيالهم
في كلّ واد.
تزوّجت النّارُ الألسنة،
وغاض الماءْ.
الذي يومض وسط الرماد،
هو الشِّعر.
الذين وصلوا بأجنحةٍ محروقة،
هم سرقة النار.

عاشوا بنوايا الإوزّ

غرفوا المياه
من قيعان بعيدة،
ونسوا عليها وجوههم.
وجدوا أسماءهم
تحترق على سطح البحيرة؛
فقد عاشوا
قبل ذلك
بنوايا الإوزّ.
بشقِّ الأنفس
يحرثون الأعماق،
ولا ينسون أن يردموا
وراءَهُمْ
درْبَ الغَرْغرة.

على شفا ليل

شاهدوا الغروب،
فقضوا حياتهم مرتعبين
من عطالة الذهب
في حِجْر الأبجدية.
وقيل:
سرحوا بنظراتهم
وصولًا إلى بلد النيرفانا.
جَنْبًا إلى جنب
مع خيال اللّمْبة
يمدُّون ألسنتهم لِلّيْل،
وفي نيّتهم
أن يتعافَوْا.
من يثق في أقوالهم
ويأخذ عنهم،
وقد ضيّعوا الأبجدية
منذ الشهود الأول؛
أفردوا الأجنحة
في ليل المعنى.

الكينونة والنسيان

ها هُمْ في الطريق الذي
ضحَّى بالكلام.
سكتوا عن كلّ شيء
إلا عن كلمةٍ ظلّتْ ترتجف على شفاههم.
والأرجح أن تكون الفراشة التي طارت
في البدء.
صانعو الخيمياء
الذين جابوا الصحراء
بلا رُقى
ولا حدقات،
نسوا الرائحة.

حتى آخر سطر

الشعراء أمثالُ هؤلاء وأولئك
سمعتُ أوّلهم يقول: “اتّسعت الرؤيا”،
وآخرهم: “تسعفني الكأس، ولا تسعفني العبارة”.
على الجادّات
وصعيد الأكمات،
يشحذون الرُّوح
بشفراتٍ أقلَّ وميضًا،
لا يسكنون
إلى بوارق الأمل
والحوداث الصفراء،
وحتى آخر سطر
تعنيهم
تواريخ الأنا
من أسفل،
واللعنات من أعلى.

الشِّعر ليس موهبة

لكي تكتب العمودي
يلزمك عمل البنّائين في يوم مطير،
ولكي تكتب التفعيلي
تحتاج إلى أذن خطّية لقياس ارتدادات الجبهة،
ولكي تكتب قصيدةً مدوّرةً
اِنْسَ نفسك في صهريج بلا تنفُّس،
ولكي تكتب قصيدة النثر
من المهمّ أن تعزف الكُريّات على حبل الوريد،
ولكي تكتب الومضة
تسدل عليك الستائر في الهواء الطلق،
ولكي تكتب الشذرة
اضمُمْ إليك يدك،
ولكي تكتب الهايكو
تنظر إلى المرتفعات من عين طائر،
ولكي تكتب الشعر الخالص
تخلّصْ من عقدة نقاء النوع،
ولكي تكتب شعر الفايسبوك
كُنْ أصلع حتى تنزلق اللغة
من ضالّ إلى ضالّ،
أو أعور إن لزم الشَّعر
حتى تقصف في كل اتجاه.

انعكاس

القمر مختاراتٌ لأجمل أشعار الأرض.
إذا أقمرت ليلةٌ ما،
فاعلَمْ أنّها لوداع شاعر.

نسب

الشعراء دائمًا
تجد في قصائدهم أنهارًا تتدفق؛
لأنّ لهم نسبًا كريمًا
يتصل بأصل الطوفان.

رماد

بقلم الرصاص
كتبوا كلّ شيء بداخلهم
وهو يحترق!

ابتلاء

تأتي القصيدة بغتةً؛
كأن بها لهفًا إلى الأكل،
ودهرًا من العطش.
ماذا أعددت لها، يا وهم!

خطيئة

الشعر في كلّ مكان،
والشعراء أخطأوا القصد
عندما أرادوا نقله.

شعر القسوة

ما أقساك أيها الشّعر؛
لم تأخذك رأفةٌ باللغة!
عندما يسألون فيّ،
أقول لهم: إنّي بخير،
إلا مزاجك أيها الشعر،
فهو عبءٌ عليّ.
ظلّت الدساتير تظلم الشعراء بنسيانهم.
لكن،
أيها الدستور المنبوذ،
نسوا أنّك ألحقتهم
بذوي الاحتياجات الخاصة!
شكرًا جزيلًا لك،
أيها الشِّعر؛
فقد شغلتنا عنّا.
الشّعر،
في نهاية المطاف،
قد حصل بالخطأ.
للشّعر ما أعطى،
وللشّعر ما أخذ !

الشعر الفرنسي وعملاؤه

كم قنّينة نبيذٍ أفرغ رامبو
حتى يسكر قاربه؟
أيّ نوع السماد الذي بذره بودلير
لتنبت أزهار الشر؟
وأيّ يد هاته استعملها مالارمي
في كل ضربة نرد؟
هل صحيح أنّ ميشونيك
صُلب بالإيقاع
حين كانت الأرض تسيل؟

عبد اللطيف الوراريAuthor posts

Avatar for عبد اللطيف الوراري

هذا موقع شخصي للشاعر والناقد المغربي عبد اللطيف الواري، يتيح للقارئ العربي التعرّفَ على ملامح تجربته في الكتابة شعرًا ونقدًا، وما يسبطه من آراء متنوعة ومختلفة في قضايا أدبية ونقدية برؤية منهجية ولغة تمزج بين العمق والوضوح.

لا تعليق

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *