افتتح مجموعة من الفنانين التشكيليين في تطوان المعرض الجماعي تحت عنوان «معلقات فلسطينية» من أجل التعبير عن تضامنهم اللامشروط مع الشعب الفلسطيني في محنته الجديدة، ومع أهل غزة التي تُشنّ ضدهم حرب وحشية ذهب ضحيتها آلاف من الأبرياء بمرأى العالم.
معلقات فلسطينية
وقد اختلفت مقاربات الفنانين التشكيليين للتراجيديا الفلسطينية الراهنة في هذا المعرض التشكيلي، الذي احتضنه رواق محمد السرغيني في المركز الثقافي في تطوان، باختلاف أساليب الفنانين ونزوعاتهم الفنية، ما بين أعمال تعبيرية وأخرى تجريدية، وما بين تشخيصية ورمزية، مع أعمال أخرى فنية جديدة استدعت رؤى وأفكار الفن المعاصر إلى فضاء اللوحة، من خلال تقنيات الكولاج واستلهام الفضاء النحتي، واستدعاء الطابع التفاعلي للفن في الأزمنة الراهنة، بينما جاءت الألوان الصارخة ولمسات الفرشاة القوية لتصدع بالإدانة وترفض الاستكانة، يقينا من جميع المشاركات والمشاركين في أن الفن هو شكل من أشكال المقاومة ومعنى من معاني المواجهة والتضحية الروحية، لاسيما أنّ منهم من ولد مع ميلاد القضية الفلسطينية، أو كان شاهدا من شهودها على سائر المنعطفات الدامية التي مرت منها هذه القضية وعمرت سنين ومآسي عددا.
وقد تنوعت اللوحات الفنية باختلاف ألوانها التي امتزجت بألوان العلم الفلسطيني، بتنوع رؤى أصحابها ومدارسهم الفنية؛ منهم من ينتمي إلى الأكاديمية الفرنسية ومنهم إلى البلجيكية، ومنهم من تابع دراسته في معاهد الفنون الجميلة في إسبانيا، وباقي مدارس الفن المعاصر، بينما ينحدر جلهم من مدرسة تطوان التشكيلية، التي تأسست في أربعينيات القرن الماضي. وقد جدد هذا المعهد صلة الشعراء والفنانين بالقضية الفلسطينية، التي لطالما شكلت وعيهم الفردي والجماعي، وألهتهم في الكتابة والتشكيل منذ البدايات.

صرخة إبداعية جماعية
بعد افتتاح هذا المعرض التاريخي، قدم الفنانون عرضا تشكيليا أدائيا من خلال لوحة كبيرة شاركوا في إبداعها بمرآى الجمهور الذي عاين أطواره، فجاءت في هيئة غيرنيكا فلسطينية جديدة ومرتجلة تشكيلية تفجرت فيها الألوان والأشكال والأحجام والظلال والإشارات والتعبيرات من هول الفجيعة. وينتمي هؤلاء التشكيليون؛ وهم: أحمد العمراني وعبد الكريم الوزاني وبوعبيد بوزيد وحسن الشاعر ومحمد الجعماطي ومحمد بوزوبع ومحمد أكوح وعادل الربيع ومحمد غزولة ويوسف الحداد ويونس رحمون ورحيمة العرود وبلال الشريف ورشيد بنيعكوب وعبد الكريم بنطاطو واحسينو حدوثن ويوسف الريحاني وفاطمة العسري وفوزي طنجبة وتوحيد الحبيب ويوسف سعدون، إلى أجيال متعددة وتجارب وأساليب فنية متجددة، وهم يختصرون أمامنا تاريخ الفن التشكيلي المغربي المعاصر، كما كتبته مدرسة تطوان وسطرت حروفه وأشكاله عبر تطور حساسياتها الفنية على مدى عقود من الزمن. حضرت المدارس الفنية بكل أطيافها من اتجاهات تجريدية وتعبيرية وواقعية وغيرها، ورغم هذا التنوع فقد اتحد هؤلاء الفنانون في رسم أبلغ اللوحات التي امتزجت فيها التقنية بالعواطف، لكي ترسم أسمى صور الغضب والرفض والإدانة والتعاطف بصدق وعفوية وحذاقة.
وقال مخلص الصغير مدير دار الشعر في تطوان؛ الجهة المنظمة للتظاهرة: «اخترنا في دار الشعر في تطوان الانتصار لفلسطين بصوت جماعي. ولعل العمل الفني الأول الذي عرضناه في هذه التظاهرة هو الشاهد الفني والجمالي على معانقة المبدعين المغاربة لعدالة القضية الفلسطينية، وانتصارهم لها، وانصارهم، مع آلامها وفواجعها الكبرى». وقال الفنان التشكيلي يوسف سعدون أحد المشاركين في المعرض الجماعي: «هي صرخة إبداعية جماعية في وجه الجبروت والطغيان، وفرصة راقية للمبدعين من شعراء وتشكيليين للتعبير عن روح التضامن مع الشعب الفلسطيني، وإدانتهم للجرائم الشنعاء التي يقترفها العدو الصهيوني في حق مواطني قطاع غزة». وقد شارك بلوحة تعبيرية «تضمنت صرخة لطفل من داخل العلم الفلسطيني، وكأنني أريد أن أؤكد على عمق هذه الصرخة من خلال ارتباطها بالهوية. هي صرخة من داخل الهوية الفلسطينية لكي تؤكد الارتباط بالأرض والاعتماد على الذات من أجل التحرير في زمن التخاذل العربي والتواطؤ الغربي».

تضامن مغربي
كما شهد كثير من حواضر المغرب، بموازاة مع أحداث الحرب الدامية على غزة، فعاليات ثقافية وفنية للتضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته الجديدة؛ ففي وجدة غنى شعراؤها «عيوننا ترحل إليك كل يوم» وردد الشعراء في شفشاون «عبر قصائدهم سنكون يوما ما نريد» وفي تطوان أحيا الشعراء «ليلة الشعر العربي». ونظم بيت الشعر في المغرب ندوة تحت عنوان: «الشعر الفلسطيني وسؤال المواجهة: مسؤولية الشاعر بين المعنى الشعري والموقف التاريخي» واحتضن مختبر السرديات والخطابات الثقافية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في نمسيك، جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، فعاليات ندوة حول «الرواية الفلسطينية: سرديات الأرض والذات» وغير ذلك من الفعاليات التضامنية، التي ما زالت تُعقد في كل وقت، بل حتى مدرجات الملاعب تتزين بأعلام فلسطين وهتافات الجمهور وشعاراتهم المناصرة.
وتجدر الإشارة إلى أن وجدان المغاربة، لاعتبارات دينية وقومية وإنسانية، بقي مُرْتبطًا بأرض فلسطين وحاضرتها القدس. ويمكن أن نكتشف سلسلةً حيّةً وممتدّةً منذ عقود طويلة لصور هذا الارتباط وأبعاده المعبّرة والكثيفة في كتاباتهم وآدابهم وفنونهم وتعبيراتهم الإبداعية المختلفة (الشعر، القصّة القصيرة، الرواية، المسرح، التشكيل، السينما، الموسيقى..). فعلى الرغم من تباعد المسافة، فإن فلسطين ما فتئت تسكن أفئدة أدباء المغرب وفنّانيه ومثقفيه، بله أناسه العاديين، الذين فكروا فيها وتغنوا بها وجعلوا من صولات أبطالها ودماء شهدائها نبراسا لأفكارهم ومدادا لقصائدهم وريشاتهم؛ فلم تقدح قضية قومية أو إنسانية زناد فنّهم كما فعلت القضية الفلسطينية التي يحتفظ ديوان المغاربة بالكثير من فصولها العظيمة بقدر ما يستلهم منها قيم الحرية والعطاء والتجدد.


لا تعليق